فيس بوك 20 أبريل 2023
للفنان الرائد يوسف كامل كلمة مأثورة يقول فيها : لو لم أكن تأثيريا لوددت أن أكون تأثيريا!…وهكذا قرن المدرسة التأثيرية (الانطباعية) بمعنى الوطن ، ما يذكرنا بمقولة الزعيم الوطنى مصطفى كامل “لو لم أكن مصريا لوددت أن أكون مصريا”.
لكن تاريخ فننا الحديث يضم قامة أخرى فى هذه المدرسة الفنية لا تقل شموخا عن قامة يوسف كامل ، الأب الروحى للانطباعيين فى عشرينيات القرن الماضى، وهو كامل مصطفى،الذى يعد من ألمع أبناء الجيل الثالث من خريجى كلية الفنون الجميلة بالقاهرةفى الأربعينيات، واستكمل دراسته الأكاديمية فى إيطاليا مثله مثل شيخه ورائده يوسف كامل، وكما كان يوسف ثانى عميد لكلية الفنون الجميلة بالقاهرة بعد الفنان محمد ناجى فى الثلاثينيات، فقد كان كامل مصطفى ثانى عميد لكلية الفنون الجميلة بالإسكندرية بعد المثال أحمد عثمان فى الستينيات.
كلا الرائدين يستحقان صفة العالمية بامتياز، ليس فقط بما أضافاه إلى سمات هذه المدرسة من طزاجة ومن تألق للضوء المصرى الساطع الذى لا يضاهى، والذى يجعل الالوان أكثر نصاعة وتوهجا، ومن تفجير للشكل بإشعاعات اللمسة الحارة على السطح، كانعكاس لإشعاع الحياة المصرية وحيوية حركتها عبر الحياة اليومية فى البيئات الحضارية والطبيعية المختلفة ،بل كذلك بما أضفياه على السطح المتفتت للوحة التأثيرية فى أوروربا نتيجة لمحاولة تحليل الضوء إلى شظايا لونية مبعثرة، من تماسك وقوة فى التكوين والبناء، ومن توظيف للوحة لتكون موازيا مستقلا للطبيعة وليست انعكاسا بصريا لها أو محاكاة لألوان قوس قزح كما يبدو فى كثير من أعمال الانطباعية الأوروبية بغير اهتمام كبير بالمضمون الروحى للمنظر الطبيعى أو للموضوع الإنسانى أكثر من أن يكون محركا خارجيا لالتقاط اللحظة العارضة فى الطبيعة.
وبقدر ما كانت المواقع الأثرية والدينية فى أحياء القاهرة الشعبية ملهمة بقوة ليوسف كامل – إلى جانب الحياة الريفية والأسرية – فقد كان عالم البحر فى الإسكندرية ملهما لكامل مصطفى فى حالاته المتباينة بين الهدوء والثورة أو بين الرأفة والحنو على الصيادين وبين الهياج والغضب عليهم ، (هذا بجانب موضوعاته الأسرية والاجتماعية والوطنية بالطبع ) لكن فى لوحات البحر تكمن ملحمة الكفاح الإنسانى فى مواجهة الحياة والطبيعة ، ولو تأملنا لوحاته المرفقة بهذه السطور(التى تبدو منفصلة/متصلة كمقاطع من لوحة بانورامية واحدة) سنجد أبعاد هذه الملحمة بكل تجلياتها ، بين السيطرة على البحر للصيادين مرة وللبحر مرة أخرى عليهم ، وللشباك التى تجمعت خيوطها بين أيديهم وهم يخلصونها من قبضة البحر بما حوته من صيد مرة ثالثة، وهذا ما يعطى هذه اللوحة فى رأيى صفة العالمية ؛ بمعنى إضفاء البعد الشمولى واللانهائى لنضال الإنسان وديمومته فى كل زمان ومكان أينما وجد البحر ووجد نضال الإنسان ، ونرى الأجساد العارية السمراء للصيادين كنماذج قدرية لهذا النضال بمعنى أنهم فى نضال مع القدر.
كامل مصطفى أيقونة إبداعية جديرة بالإجلال والتخليد، ولو بإصدار مجلدات تضم أعماله تطبع طباعة لائقة باسمه وتاريخه، وبدراسات نقدية تتقصى مراحله الفنية وتعقد المقارنات بينها وبين نظيرتها فى الفنون العالمية ، وظنى أن ذلك لو تحقق سيبث رؤى إبداعية فى عيون ونفوس فنانى الأجيال التى لم تعاصره ولم تتح لها معايشة أعماله ، وذلك واجب الأكاديميات الفنية بالتعاون مع وزارة الثقافة، إذا امتلكا الوعى برسالتهما التعليمية للجمال لكل من الدارسين والمواطنين.




