فيسبوك 9 يونيو 2023
هذه الدراسة التى كتبتها الناقدة الكبيرة فاطمة على منذ عام مضى بجريدة القاهرة تحت عنوان الكنز المهدر، هى فى الحقيقة كشف مذهل ومفجع معا عن حال احد أهم قنوات التذوق الفنى، والمسئول عنها هو قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة ، فوق أهمية الموضوع كتوجه محورى عن مسئولية الدولةبشأن إتاحة اقتناء مستنسخات بالغة الجودة طباعيا للمواطنين كأفراد ، أو للمؤسسات المزدحمة بالتواجد الجماهيرى او ذات الطبيعة الثقافية، بما يترتب على ذلك من انتقال بالفن إلى الجماهير دون انتظار لمجيئها الميئوس منه لزيارة المتاحف، ومن ثم يؤدى نسبيا إلى إشباع للذائقة الفنية، تعويضا مؤقتا عن مشاهدة أصول الأعمال الفنية فى أماكنها الثابتة بالمتاحف، بل ما يترتب عليه من تشجيع للمواطنين على تجميل بيوتهم بهذه المستنسخات بسعر زهيد فى متناول قدراتهم المالية، فضلا عن تشجيعهم على مشاهدة الأعمال الاصلية فى المتاحف لكبار الرواد وبقية أجيال الحركة الفنية، حيث نرى فى الواقع انقطاعا تاما بين الناس وهذه المتاحف، ومن هنا نجد ان عدم تفعيل هذه الخدمة الثقافيةهو الفريضة الغائبة عن اهتمام الدولة بالرغم من توفرها بجميع متاحف العالم فى مختلف القارات.
لقد كشفت الدراسة بوضوح صادم عن ان الإدارة المختصة بهذا العمل فى القطاع مجمدة منذ قرابة عشرين عاما، حيث يمتلك القطاع أجهزة التصوير الرقمى والطباعة بتقنية جيدة للأعمال الفنية، وكان يتم بالفعل بيع مستنسخات عالية الجودة للإدارات الحكومية بالشراء بالأمر المباشر وللأفراد من خلال منافذ مخصصة للبيع فى بعض متاحفنا الفنية كمتحف محمد محمود خليل ومتحف الفن المصرى الحديث، كما كشفت الدراسة عن أن هذه العملية كانت تتم بشكل متقطع عبر فترات افتتاح وإغلاق متحف الفن الحديث (التى بلغت خمس فترات إغلاق خلال العقدين الماضيين !!)، ثم أغلقت منافذ البيع بشكل نهائى عام ٢٠١٤ بسبب عدم وجود لائحة تنظم بيع المستنسخات على الورق أو على التوال، وهنا سبب الفجيعة ؛ ثمانية عشر عاما حتى تاريخ نشر المقال عجز خلالها القطاع عن استصدار هذه اللائحة من وزارة ألمالية، بينما توجد بين أيدى المسئولين بالقطاع بنودها وآلياتها بالفعل، ، حيث صدر بها قرار من رئيس قطاع الفنون التشكيلية برئاسة الفنان د. أحمد عبد الغنى عام ٢٠١٤، وكان يدعمه بقوةوزير الثقافة آنذاك المرحوم د. جابر عصفور كما ابلغنى شخصيا، وكان شديد الحماس للمشروع، كونه يمثل احد الحلول الرئيسية للتواصل بين الفن والجماهير بعد انقطاعها عن زيارة المتاحف لغياب الثقافة الفنية عن حياتها اليومية، وقد تحدثنا معا عن ذلك كثيرا واتفق معى بشأن مناداتى الدائمةبتفعيل هذه الخدمة حتى قبل تعيينه وزيرا للثقافة.
ولا أعرف ما إذا كانت تلك اللائحة قد صدرت بعد مضى عام على نشر تلك الدراسة أم لا، ولا أظنها صدرت حتى الآن ، وإلا لكان يمكن صدورها قبل ذلك ب ١٨ عاما ، علما بأن وزارة المالية ما كانت لتعترض على إقرار مثل هذه اللائحة لو وجدت إرادة جدية من الجهة التى تطلبها، لسبب بسيط؛ وهو انها تتوافق مع سياسة الدولة فى إتاحة الخدمات ذات الطابع الاقتصادى ذى العائد الربحى، باعتبار المستنسخات إحدى مصنفات الصناعات الثقافية التى تدر دخلا، والدولة تشجع عليها منذ اوائل الألفية الثالثة.
بل أشهد – من واقع تجربة عملية قمت بها منذ اوائل التسعينيات – من خلال قطاع الفنون التشكيلية ذاته – أننى استصدرت من وزارة المالية – خلال مدة لا تتعدى الشهر – لائحة لتنظيم تسويق أعمال الحرف التقليدية التى تقوم بإنتاجها المراكز الفنية الستة التى كنت مسئولا عنها آنذاك، وتم ذلك بعد زيارة قمت بها إلى وكيل وزارة المالية المختص بشئون الفنون التشكيلية، وذلك بصحبة المسئول المالى بالقطاع، وتفهم المسئولون بالمالية اهداف اللائحة وجدواها على الجمهور والدولة والمراكز الفنية جميعا، بما ستدره من إيرادات ، وأحدث تنفيذ اللائحة ثورة هائلة فى وصول هذه المنتجات الحرفية إلى قطاعات عريضة من الجماهير التى أقبلت على معارض وكالة الغورى وغيرها من المراكز الفنية المتخصصة بكثافة غير مسبوقة، وتم تسويق كميات ضخمة من جميع منتجات تلك المراكز الستة، ما ادى إلى مضاعفة الإنتاج، وإحياء مااوشك على الاندثار من التراث الفنى، بل كان من أثر ذلك قيام وزارة المالية بمضاعفة الميزانية السنوية المخصصة لمراكز الحرف التقليدية، استنادا إلى قيامها بتوريد عائدات مالية محترمة إلى الدولة جرٌَاء بيع هذه المنتجات، وتلك قاعدة معمول بها بوزارة المالية أشهد بها بالرغم مما يقال عن البيروقراطية التى تتعامل بها مع الجهات الإدارية الخاملة.
إذن فاللائحة ليست إلا ذريعة لتبرير تقاعس وعدم جدية المسئولين عن المتاحف، ولو شئنا مد الخط على استقامته فسنجد ذلك التقاعس ينطبق على كثير من اوجه الإصلاح بجوانب أخرى غير المتاحف، مثل إصدار ونشر المطبوعات النقدية ونشرات الثقافة الفنية والخروج بالفن إلى الجماهير.
وأتمنى ان يتبنى القطاع فى عهده الجديد تحت رئاسة الفنان د. وليد قانوش رؤية جديدة للنهوض بهذا المجال الفنى بالغ الحيوية، وان يتجاوز أسباب التقاعس والفشل التى عوٌَقت مسيرة القطاع سنوات طوال، وكانت المتاحف هى العنوأن الرئيسى لهذا الفشل..بدون دخول فى التفاصيل!
وإذ اشكر الناقدة فاطمة على لهذا المقال الفارق والشجاع الذى لم أقرأه إلا اليوم ، فإننى أدعوها إلى متابعة ما كتبَته بنفسها حول الكنز المهدر للمستنسخات الفنية، وما إذا كان قد جد جديد فى أمرها خلال عام مضى أم لا…