ورحل المناضل والمفكر والفنان الأستاذ عز الدين نجيب والذي يعد من أبناء جيله أحد رموز الثقافة المصرية والعربية أثري مجال الفنون البصرية ” الفنون التشكيلية بأعماله الفنية وكتباته النقدية، أستاذ لأجيال في النقد الفني، رحل بعد رحلة من العطاء الفكري والإبداعي دامت لأكثر من 60 عاما عن عمر يناهز 83 عاما. الجمعة الموافق 22 سبتمبر 2023 كان يوم رحيل عز النقد والفن.
مع هذا الرحيل شهدت صفحات الفيسبوك وداع عز الدين نجيب بكل الحب والتقدير من قبل الفنانين ما بين كلمات وصور وذكريات وكتابات دامعة نابعة من القلب على فقدان مصر رمز أقدم وقدم الكثير من اجل الحراك الثقافي الفني والدفاع عن حق الفنان والمبدع والجمهور الفني.
وأبلغ ما كتب من كلمات رثاء معبرة جاءت من الناقد والمؤرخ الأستاذ الدكتور ياسر منجي حيث كتب عبر صفحته الشخصية الفيسبوك “هناك أشخاص يرحلون فيتملكك شعور بأن زمنا يطوي صفحته، وأن مرحلة بأكملها، بأفكارها، وأعرافها، وأحلامها، تنحسر كموجة عاتية أتمت لقاءها بشاطئ الأبدية. رحم الله الناقد الفنان “عز الدين نجيب”.
مما كانت تلك الكلمات السالفة دافع لطرح سؤال عنوان هذا المقال في لقائي معكم عبر جريدة القاهرة ” ماذا بعد رحيل عز؟” أعلم ان الإجابة قد تكون صعبة، ولكنها تتشكل وترتبط بعدة عوامل ومنها الشخوص والزمن ومن سيكتب تاريخ اليوم والغد في النقد؟ خاصة اننا حقا نعاني في أزمة النقد الفني وقلة النقاد رغم كل المحاولات لبناء أجيال من النقاد في المجال الفني البصري. لا أريد انها باتت بالفشل بسبب عدة عوامل أخرى، ولكنها لازالت مدفونة الرأس كالنعام. فالناقد لابد ان يخرج من شرنقة وفكرة المجالات الى انطلاق الرأي واتخاذ الموقف والقرار والكلمة الصائبة في مكانها وزمنها المعبرة عن العمل والفنان ودوافعه دون قيود او احراج او حساب للزعل. الناقد زمن يسير على قدمين فهو يقرا ويترجم ويقيم ويفكر ويربط ويحلل ويستنتج ويتوقع ويكشف عن مكنون العمل الفني والفنان مع ابراز جماله و منطلقاته وشرح ظواهره، وعليه وحدة المجتمع فهو أقرب للفنان والمتلقي الجمهور الشعبي والمتخصص فهو لابد ان يتحلى بفكر وعيون قارئة للمشهد و زمكانه.
ألتقيت بالراحل ا. عز الدين نجيب لأول مرة في افتتاح معرضه الشخصي “عصفور من نار” في عام 2011 كان مقام حينذاك باتيليه القاهرة بوسط البلد ورغم كل ما كانت مصر تمر به الا ان كان الحراك الفني يتواجد وان كان أحيانا على استحياء ، ولكن هذا المعرض بالتحديد قدم لي شخصية لا تستلم ابدا حيث كان المعرض هو اعماله التي تم انقاذها من حريق مرسمه الشخصي فقد قم اعمال بشكل يعلن فيه رفضه لنيران نالت من تاريخ ورحلة عمره ، تصدى لها وعرف كيف يحمي ما بقي ولم ولن يستسلم ومضت السنوات بمتابعة أستاذ عز وقراءة اصداراته وكتباته النقدية وحضور ندواته وسعدت وشرفت به ضيفا كريما في برنامجي الإذاعي “بعضشي” حيث حوار يعد من ذكريات مع هذا البرنامج وحلقة حول النقد الفني المصري ورحلته وازمات النقد والقاء الضوء على كيفية إيجاد حلول وبناء أجيال قادرة على الكتابة والتسجيل والنقد .
ومؤخرا منذ أيام قبل دخول الأستاذ عز في وعكته الصحية وتدهور حالته حريصا على الكتابة عبر صفحته الشخصية الفيسبوك وطرح الموضوعات الجادة وما تحمله من أزمات واشكاليات وتوقعات في مجال الفنون البصرية واخر ما كتبه مقال حول الذكاء الاصطناعي والفن والتجارب الفنية وكم من المناقشات الفلسفية الفنية والرؤى والفكر المتنوع والمختلف حول هذا الشأن.
حقيقة رحل عز وترك أرث كبير وعظيم ما بين اعماله الفنية واصداراته وصفحته الشخصية على الفيسبوك فهي كنز لا يقدر بثمن مع كل موضوع يطرحه تجد مئات من التعليقات لتتأمل وتتمهل في جمال هذا الثراء الفكري الثقافي الفني بين فئات وشرائح الفنانين بمختلف الأجيال، والتخصصات والجنسيات. صفحة لابد ان تتحول الى مشروع ثقافي موثق بكل تلك المناقشات والتعليقات. هي زمن يسجل أول بأول.
ورحل عز وننتظر معا ماذا بعد رحيل هذا الناقد وتقدير الوطن لرحلة هذا المناضل الفني.

هبه عريبه
جريدة القاهرة العدد 1210 .. 26 سبتمبر 2023