هذا الفنان بتكوينه الجسدى الكاريكاتيرى والمثير للسخرية..كان ساحر قلب حبيبته الفنانة الرقيقة فريدا كالهو التى لم يخلص لها قط رغم زواجه بها مرتين من بين خمس زيجات فى حياته العاصفة ، لكن المواهب العظمى تكسر كل القسمات الشخصية المقسومة للبشر العاديين ، وتجتاح السدود والحدود والمواضعات العرفية للمجتمع الذى تظهر فيه ، وربما يصل خرقها للمألوف حد تصنيفها احيانا فى خانة الشيطان او الشاعر الرجيم ، دون ان ينفيه ذلك من كوكب العباقرة الملهمين لشعوبهم وأجيال المبدعين..
كان ريفييرا ثورة فنية جامحة على فنون النخب والصالونات البورجوازية والفنون الاتباعية للثقافة الأوروبية ، بنى بثورته جسورا عريضة بين الفن والجماهير الشعبية فى الشوارع والكبارى والجداريات العظمى بالمكسيك فى مسار حياة الناس اليومية ، ارتبطت هذه الاعمال بالثورة الاجتماعية والفكر اليسارى الماركسى والتروتسكى الراديكالى ضد الاستعمار والنازية والفاشية والاستغلال ، واستلهم تراث بلده من المأثورات الشعبية والمبادرات الثورية ، فتوحد معها فى نسيج قوى يجعل الفن احد اسلحة الثورة والمقاومة والتغيير ، دون ان يكون ذلك على حساب القيم الجمالية الكلاسيكية التى أتقنها فى دراساته الأكاديمية المختلفة..وبقدر ما أصبح عنقه مطلوبا من السلطات المعادية للشعب ولمبادئه ، أصبح بطلا قوميا لبلاده استحق ان يغفر له الشعب نزواته وخطاياه..بل لم تستطع الإمبريالية الامريكية التى كرس فنه وحياته لمحاربتها أن تتجاهل عبقريته وشهرته وأرادت أن تستوعبه وتمتص عداءه لها بإغرائه بالثروة والشهرة فى الولايات المتحدة الامريكية ، فدعاه اساطين الراسمالية بها ليرسم جداريات هائلة برؤاه الفنتازية المصفاة من الثورة والحقد الطبقى ، فإذا به يقلب الطاولة عليهم ويجعلهم يندمون على دعوته ، وتركهم فى مأزق لا يجعلهم قادرين على الاستمرار معه او على التراجع عما فعل.
وكما كان ملهما لوطنه ومؤثرا فى خلق مدرسة فنية مثلت الاساس المتين “للواقعية الاشتراكية” فى دول اوروبا الشرقية الدائرة فى فلك الاتحاد السوفييتى السابق ، قبل ان تتحول هذه النظرية الجمالية الى مدرسة للبروباجندا الديماجوجية للنظم السياسية المستبدة ، فإنه ألهم الكثير من الفنانين ومن الحركات الفنية حول العالم المرتبطة بالثورة والتغيير والعدالة الاجتماعية ، ومنها مصر فى الستينيات والسبعينيات ، وكان الفنان محمد حامد عويس أشهر رموز هذا الاتجاه بما يقارب النسخة المصرية من ديجو ريفييرا المكسيكى..لكن بنكهة مصرية.
اما علاقته بفريدا كالهو فكان قدرها المستبد الطاغية حتى صار سبب شَقائها وشِفائها ، ورغم قسوته عليها وخيانته لها فلم تستطع قط ان تكرهه ، ولا أن تغفر له أو أن تنتزعه من أعماقها ، كل ما استطاعت فعله هو أن تتحداه بفنها ، فجعلت من لوحاتها الخالدة شهادات نورانية ملونة لبهجة الطبيعة وشهوة الحياة وروعة الصمود الإنسانى ، متجاوزة اسلوب قاهرها وسيدها الانانى ، نحو خلق مدرسة تفيض بالإنسانية والعذوبة والحب والروح الفردوسية.
كل الشكر والتقدير للفنان القدير وليد نايف الذى اتحفنا بهذه الباقة من أعمال ريفييرا ، كما اعتاد ان يفعل ويمتعنا بأعمال غيره من أساتذة الفن العالمى بين الحين والآخر.




